التعاون الصيني المصري يعزز الحوار الحضاري
بكين ، 30 سبتمبر 2025 / PRNewswire / -- في ما يلي تقرير إخباري من صحيفة China Daily : يشق نهر النيل الخالد والمهيب طريقه عبر الطبيعة الصحراوية المترامية الأطراف، ثم يصب في البحر الأبيض المتوسط في شمال مصر. وعلى ضفافه السمراء الخصبة، ازدهرت الحضارة المصرية القديمة، أرض الرفعة والتاريخ والأسرار، حيث نُقِشت أولى النصوص في العالم، وأقيم بعضٌ من أقدم المدن، وكان الإيمان بالبعث والخلود محور تصميم المعابد والمقابر.
اليوم، يتدفق هذا النهر من أعماق التاريخ وصولاً إلى فصل جديد، حيث تتعاون الصين ومصر لحماية تراث حضارتيهما العريقتين. وتعاونت الدولتان في إضفاء رونق الحياة من جديد على النقوش الحجرية التي نال منها التآكل، واللوحات الجدارية التي أصابها البهتان، من خلال الحفريات الأثرية المشتركة، وترميم الآثار، والمعارض الثقافية.
وفي هذا الحوار عبر الزمن، تؤكد اثنتان من أعرق الحضارات التي أينعت فيها الحكمة الإنسانية على إيمانهما المشترك بأن تنوع الحضارات كنز يجب الحفاظ عليه، وأن حماية الماضي هي وسيلة لإلهام المستقبل، كما يقول الخبراء.
من صيف عام 2024 إلى صيف عام 2025، نظَّم متحف Shanghai Museum المعرض التاريخي " On Top of the Pyramid: The Civilization of Ancient Egypt " (على قمة الهرم: حضارة مصر القديمة). استمر المعرض 13 شهرًا، وعُرضت فيه 788 قطعة أثرية نادرة، وقد استقطب 2.78 مليون زائر. قدَّم المعرض أكثر من 400 قطعة أثرية تم اكتشافها حديثًا، ما يبرز النتائج الرائعة للمشاريع الأثرية المشتركة بين الصين ومصر في الآونة الأخيرة.
وفي السنوات الأخيرة، شهد التعاون بين الصين ومصر في مجال الآثار ازدهارًا متواصلاً. ففي عام 2018، وبناء على بروتوكول بين وزارة السياحة والآثار المصرية و Chinese Academy of Social Sciences ، بدأت أول بعثة أثرية كاملة للصين في مصر أعمال التنقيب في أطلال معبد مونتو في مجمع معابد الكرنك في الأقصر.
وبالتوازي مع ذلك، تُجرى جهود مشتركة لترشيح موقع بايهليانغ الهيدرولوجي القديم في الصين ومقياس النيل في جزيرة الروضة في مصر كموقعين للتراث الثقافي العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة ( UNESCO ).
وفي الوقت نفسه، بدأت فرق في توثيق آلاف التوابيت القديمة رقميًا في سقارة - وهي مقبرة مترامية الأطراف لأفراد من العائلة المالكة المصرية القديمة - ما يساهم في الحفاظ عليها وتعزيز البحث العلمي بهذا الشأن.
وقالت Yan Haiying ، أستاذة التاريخ بجامعة بكين، إن الصين ومصر كأن إحداهما مرآة للأخرى، فهما وريثتا حضارتين عريقتين. والبحث المقارن بين هاتين القامتين الثقافيتين الهائلتين لا يقتصر على تعميق الفهم المتبادل، بل يعمل أيضًا على إثراء شعور كل جانب بالهوية والوعي الذاتي التاريخي.
ولقد أضافت Yan قائلة: "أثار معرض الحضارة المصرية القديمة موجة ثقافية في الصين. في الماضي، كانت المعارض ذات الطابع المصري هنا عبارة عن معارض مكررة وغير مبتكرة، يتم تنظيمها في الغرب بهدف الربح أساسًا. لكن هذه المرة، حقق Shanghai Museum تقدمًا كبيرًا، حيث تولى زمام المبادرة في إدارة المعرض بشكل مستقل، وعمل جنبًا إلى جنب مع نظرائه المصريين. واستطردت Yan قائلة: "من دون التعاون الأثري المشترك بين الصين ومصر، لما كانت هذه الآثار المكتشفة حديثا قد وصلت إلى الصين."
وقالت إن الصين ومصر القديمتين، اللتين غذتهما الأنهار العظيمة، تشتركان في سمات مذهلة باعتبارهما حضارتين زراعيتين. لقد زرعت الحضارتان كلاهما علم الكونيات والفلسفات المتأصلة في مبدأ التناغم ما بين السماء والإنسانية، وفي الصلاة من أجل البركات في الحياة الآخرة. وسعت كل منهما إلى إقامة نظام وطني موحد واعتبرت العيش في توازن مع الطبيعة هدفًا مقدسًا.
وأضافت Yan : "لذلك، أمام آثار مصر القديمة، تنبض قلوب الصينيين بفهم عميق؛ فهما حضارتان عظيمتان، وعلى الرغم من المسافة الهائلة بينهما، حملت كل منهما للأخرى أسمى آيات التقدير على مر الزمان."
وقال Xue Jiang ، الباحث في معهد World Art History Institute بجامعة Shanghai International Studies University ، إن الحضارتين القديمتين المصرية والصينية تشتركان في خصائص متشابهة، وقد أرست هذه التشابهات الثقافية أساسًا قويًا لتعميق التعاون بين البلدين في الحفاظ على تراثهما الغني.
وأجرى Xue وزملاؤه أبحاثًا ميدانية في مصر حول رقمنة القطع الأثرية المكتشفة حديثًا، ما أدى إلى اتفاق مع شركاء مصريين لإطلاق سلسلة من المشاريع التعاونية الطويلة الأجل. ركزت المبادرة الأولى على التحقيق والفهرسة وإنشاء قاعدة بيانات والنشر المشترك للقطع الأثرية المكتشفة في سقارة، وقد تم تصنيفها كمشروع تجريبي لاختبار أساليب وتقنيات جديدة للحفاظ على التراث.
ولقد قال بها الصدد: "بعد إجراء بحثنا، سننشر النتائج باللغات العربية والصينية والإنجليزية، وسننشئ قاعدة بيانات ثلاثية اللغات. ونخطط في المستقبل لإقامة مختبرات مشتركة وتطبيق أحدث التقنيات الأثرية في الصين لمساعدة مصر في بناء نظام أثري حديث."
وقال الخبيران كلاهما إن تعزيز التعاون بين الصين ومصر في مجال حماية التراث لن يؤدي فقط إلى تعميق التبادلات الثقافية، بل سيساهم أيضًا في حماية تنوع الحضارات العالمية.
قال Xue : "تتميز كل حضارة منهما ببريقها الخاص، وتقفان على قدم المساواة، وهذا يشكل الأساس للحوار والتبادل. ولأننا ورثة هاتين الحضارتين العظيمتي الإرث، فإننا نتحمل مسؤولية حماية التراث العالمي والحفاظ على الكنوز المشتركة للحضارة الإنسانية."
وقالت Yan إنه مع كل قطعة أثرية يتم اكتشافها حديثًا، يزداد الفخر الوطني المصري وتعلو الثقة، مما ألهم جهودًا متجددة لحماية الكنوز الثقافية المصرية والاحتفاء بتاريخها الغني.
وأضافت قائلة: "إن فهم ماضي المرء هو المفتاح لتعزيز ثقته الثقافية. ويجب على الصين ومصر العمل معًا لحماية تراثهما التاريخي والثقافي المشترك، وتعزيز حماية الآثار الثقافية ونقلها، والحفاظ بشكل مشترك على الذاكرة الجماعية للتاريخ."
أما Xue فأضاف قائلاً: "ما من حضارة أكثر تفوقًا أو أدنى من غيرها؛ بل إنها متحدة من خلال الطموح المشترك للتعلم بعضها من بعض، والتعاون وتحقيق المنفعة المتبادلة. وعندما نتأمل الحضارة، ينبغي لنا ألا نفحص أصالتها فحسب، بل يجب علينا أيضًا أن نسعى إلى إيجاد ذاكرة إنسانية جماعية وتعاطف يتجاوز الزمان والمكان."

شارك هذا المقال