نظرة جديدة على طفرة الابتكار في الصين
بكين، 10 مارس 2025 /PRNewswire/ -- تقرير من People's Daily:
مع انطلاق الربع الأول من عام 2025، يكشف مشهد الابتكار في الصين عن توجهات بارزة متمثلة في ثلاث قصص إقليمية متميزة: مدينة هانغتشو، مَعقِل التكنولوجيا في شرق الصين، تواصل صعودها؛ بينما تبزُغ مقاطعة خنان في وسط الصين كمركز غير متوقع للابتكار التجاري، بالإضافة إلى المناطق الغربية من الصين ذات التأثير الثقافي المتزايد بفضل الإنجازات السينمائية البارزة.
حيث يستضيف الممر التكنولوجي في هانغتشو حاليًا شركة Game Science، الأستوديو المبدع الذي طوّر الظاهرة العالمية، لعبة Black Myth: Wukong، إلى جانب شركة Unitree الرائدة في مجال الروبوتات، والتي أثار أداؤها في حفل مهرجان الربيع نقاشًا وطنيًا واسعًا. إن هذه المدينة الشرقية الكبرى ترسخ مكانتها كردٍ للصين على Silicon Valley، وتحتضن المؤسسات التي تجمع بين التميز التكنولوجي والتأثير الثقافي.
أما القطاع التجاري في خنان، فقد شهد تطورًا كبيرًا، على سبيل المثال شركة Pangdonglai. فبعد أن كانت لاعبًا إقليميًا، جذب مُجمع البيع بالتجزئة التجاري الخاص بالشركة في تشوتشانغ ملايين الزوار خلال مهرجان الربيع لهذا العام، مُحققًا إيرادات يومية تجاوزت 100 مليون يوان على مدار الثمانية أيام الخاصة بالعطلة، وهو رقم يُضاهي أرباح المعالم الثقافية الكبرى في خنان خلال ذروة المواسم السياحية. إن ثورة البيع بالتجزئة هذه يرافقها توسع وطني للعلامات التجارية المحلية مثل Mixue Bingcheng وGuoquan Shihui، مما يُعيد رسم الخريطة التقليدية لجغرافيا الابتكار.
حقق فيلم Ne Zha 2، الجزء الثاني من فيلم الأنيميشن الصيني الشهير، إنجازًا تاريخيًا بتحطيم أرقام شبابيك التذاكر العالمية، ليصبح أول عمل سينمائي آسيوي يدخل قائمة أعلى عشرة أفلام تحقيقًا للإيرادات عالميًا. يؤكد هذا الإنجاز على قوة منظومة صناعة الأنيميشن والإرث الثقافي العميق لمدينة تشنغدو في مقاطعة سيتشوان، مركز إنتاج الفيلم. فبعد أن كانت حجر أساس ثقافيًا إقليميًا، أصبحت تشنغدو لاعبًا محوريًا في اقتصاد الإبداع العالمي، مدفوعة بمزيج الابتكار التكنولوجي مع القصص المستوحاة من التراث.
تعكس هذه التوجهات الإقليمية المتنوعة خريطة الابتكار الوطنية المتطورة، حيث يواجه التفوق التكنولوجي في شرق الصين منافسة قوية من الابتكار التجاري في وسط الصين والإنتاج الثقافي المزدهر في غرب الصين. ويشير هذا النموذج الناشئ إلى أن مرحلة التنمية القادمة للصين لن تكون قائمة على محاور منفردة، بل على منظومة مترابطة من الكفاءات الإقليمية المتخصصة التي تقود نموًا متعدد الأبعاد.
إذن، ما الذي يُحفّز هذه الموجة من الإنجازات الرائدة؟
يشير البعض إلى قوة الفضول وروح ريادة الأعمال. فكل من Feng Ji، العقل المدبر وراء لعبة Black Myth: Wukong، وJiaozi، مخرج فيلم Ne Zha 2، لم يتلقَّ تدريبًا رسميًا في مجالاتهم. ومع ذلك، وبدافع الشغف والفضول، تمكنا من تجاوز الحدود، والتنقل بين التخصصات، وظلا ملتزمين بعمق تجاه حرفتيهما.
على الجانب الآخر، يلعب التكامل بين السياسات الحكومية والقطاع الخاص دورًا على نفس القدر من الأهمية. ففي مراكز التكنولوجيا مثل هانغتشو، يتعاون مسؤولو البلديات بانتظام مع المديرين التنفيذيين للاستثمار خلال الزيارات الميدانية، لتسريع تخصيص الموارد وتقديم الدعم التنظيمي للشركات الناشئة.
كما أن الرؤية طويلة المدى وبيئة الابتكار المنفتحة والشاملة لديهما دور محوري في هذا. على سبيل المثال، تتيح هانغتشو للصناديق التي تديرها الحكومة تحمّل نسب خسائر تصل إلى 30%، مما يسمح بنشر احتياطيات رأس مال مرنة لتحفيز مشاركة القطاع الخاص. يساعد هذا النهج الذي يركز على النتائج المستقبلية في بناء منظومات تدعم نضوج الأفكار التجريبية دون عوائق.
وعند النظر إلى هذه التطورات بصورة شاملة، فإنها ليست مجرد مصادفات سعيدة، بل نضوجًا هيكليًا مُنظمًا. وقد أدى التقدم الموازي في البنية التحتية الصناعية، والبحث والتطوير المتطور، ورأس المال البشري، وتطور السوق إلى رفع القدرة الابتكارية للأمة بشكل جماعي. النتيجة هي دورة تعزيز ذاتية: ترتفع "مستويات المياه" في مشهد الابتكار الصيني، مما يجذب المؤسسات العالمية إلى هذه البيئة الخصبة.
تمتلك الصين أكبر قاعدة مواهب في العالم. حيث ينضم إلى سوق العمل سنويًا أكثر من 5 ملايين خريج في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM)، مما يشكل خزانًا إستراتيجيًا للابتكار المتطور.
كما تعزز منظومة المستهلك في الصين هذه الميزة من خلال السيطرة على سلسلة التوريد الكاملة. يتيح السوق المحلي السلس الذي يشمل 1.4 مليار مستهلك - توسيع نطاق الابتكارات القابلة للتطبيق دون عوائق. ومع تلاشي الاضطرابات العشوائية في السوق، يُحقق البحث والتطوير التجاري قابلية توسع هائلة، مستفيدًا من القدرة الفريدة للصين على تحويل النماذج الأولية التقنية إلى منتجات سوقية واسعة النطاق بين عشية وضحاها.
ثم يأتي الدور الحاسم للبنية التحتية من الجيل التالي التي تقوم بمُضاعفة التأثير. فمع وجود 1.1 مليار مستخدم رقمي وكثافة تغطية 5G تتجاوز 60%، تخلق الصين تكاملًا فريدًا بين المجالات الرقمية والصناعية، مما يجعلها ساحة اختبار عالمية للمؤسسات القائمة على الذكاء الاصطناعي. وهنا، تلتقي الخوارزميات المبتكرة مع الثِقل التصنيعي، ليشكلا حاضنة حيث تنتقل سلاسل التوريد المستقلة والعوالم الافتراضية الصناعية من نظريات تخمينية إلى واقع تشغيلي.
في الوقت نفسه، تستمر مؤسسات الصين في النضوج. لقد أصبح اقتصاد السوق الاشتراكي أكثر كفاءة، مما عزز ثقافة تقدّر الابتكار وتقبل التجربة والخطأ. فلا تكتفي الصين بالاستفادة من ميزة التنسيق المركزي، بل تحتضن أيضًا مرونة وتنوع تجارب السوق.
فمع توفر المواهب التي تحفّز الابتكار، والأسواق التي تكافئ على الابتكار، والسيناريوهات التطبيقية التي تدعمه، والإطار المؤسسي الذي يحميه، نجحت الصين في بناء منظومة يزدهر فيها الابتكار.
يعمل الابتكار هنا كتفاعل متكامل، حيث يبدأ رأس المال البشري الماهر الأفكار الجديدة، ثم تتحقق أسواق المستهلكين من قابليتها للتوسع، وتُختبر جدواها في التطبيقات الواقعية، بينما يساعد الإطار المؤسسي على تقليل العوائق النظامية. والنتيجة هي دورة ذاتية التعزيز من توليد الأفكار والتسويق والتنقيح المستمر.
بالنظر إلى المستقبل، ستلهم الإمكانات الهائلة للذكاء الاصطناعي وغيرها من التقنيات الناشئة المزيد من الرواد لاستكشاف آفاق جديدة. كما أن تأثير إنشاء الثروات في السوق الهائلة للصين سيشجع الأفكار الجديدة الجريئة. وفي السنوات المقبلة، ستواصل الصين إبهار العالم باختراعات ثورية وقصص نجاح ملهمة.

شارك هذا المقال